-A +A
ثامر عدنان شاكر
ناسا، بالأمس القريب تعلن في حزنٍ وأسى أن كوكب الزهرة سيختفي خلف القمر قريبا وماذا يعني يا ناسا؟!!
وإن احتجب الزهرة، هل ترانا سنبالي بذلك اليوم المزعوم أو ترانا سندون تاريخه في الذاكرة، ونحفظ ورق التقويم في خزينة العمر ونبكي على أطلال اليوم المشؤوم!!

كيف لنا أن ننعي غياب الزهرة وهو لم يكن يوما معنا، ولم يسر في طريقنا، ولم يبادلنا السلام ذات صباح ولم يكترث بعبوسنا ولم يسأل عن أمانينا وطموحاتنا المتعثرة، ولم يمد لنا يدا أو يكون لنا عونا ضد كيد الأيام.. لم يسمعنا ولا يعرف مذاق انكساراتنا ولحظات خجلنا، وهزاتنا الأليمة.. لا يفقه لغتنا وليس بيننا ثمة حوار!! لم يبتسم لدقات قلوبنا ولم يسأل عن أحلامنا التي تتبعثر بين أصابعنا، فلماذا نكترث بغيابه إذا ما رحل يوما أو تخفى تحت وشاح الدجى، وغرق في ظلام الكون الدامس!!
لذا فلتسمح لنا ناسا أن نصارحها بحقيقة مشاعرنا وأننا لا ندري عمّا تتحدث ولا نبالي كثيرا بما يعتريها من حزنٍ وأسى.. الأمر سيان.. أتى الزهرة أو رحل .. لا فرق ولا نفهم في الحقيقة لماذا هو حدث جلل؟
الزهرة والقمر.. قصة الإنسان في حياتنا!! كم من كيانٍ زارنا كخيال مسافر، ولم يتعد دوره سوى الحضور والانصراف في سجلات أيامنا الصاخبة، كم من سراب طريق لم يرتقِ يوما ليصبح حقيقة، وبقي الوهم في أقصى لحظات احتياجاتنا.. كم من عين وساعد كانتا البصمة في أقصى لحظات الانكسار والخوف.. والضياع، بل العماد للروح وللقلب!!
ترى كم من زهرة مرت مرور الكرام ولم تبالي بأجسادنا المعلقة على حافة الجبل وعيوننا التي تمتلئ طموحا ورغبة في المضي نحو القمة.. كم من كوكب زهري الملامح طل علينا في تعالٍ وألقى نظرة باردة واختفى دون أن يكترث بأناتنا، كم من زهرة نبتت فجأة في طريقنا، لكنها كانت نبتا شيطانيا، لم نستنشق لها رحيقا أو نسمع لقلبها همسا، ولم نتذوق لحضورها طعما، فمات الجمال في عيوننا منذ اللقاء الأول!
كم من قمر أهمنا غيابه عن سمائنا وبتنا نبكيه حد النواح، ونجزع إذا ما غاب عن أعيننا ولو للحظات وسط أسراب السحاب العابرة؟!
ما قيمة البوصلة وحيدة دون قمر يبارك الخطوات ويبتسم.. ما قيمة الأشياء إن كانت هاربة سابحة في حيز مظلم، تمضي دون أن تلتفت لمن حولها وقد تجردت من كل قوانين الجذب والطرد!!
تحياتنا لــ ناسا الحانقة، لكن الأوطان أيتها الناسا الغاضبة تعيش فقط بأقمارها وشموسها.. ولن تبالي كثيرا برحيل الكومبارس والعالة والمرتزقة من دروبها!! كم من نيزك وشهاب احترق وتلاشى بلا أثر وكم من زهرة شرّق وغرّب ولم نبالِ بحله وترحاله.. كم من نجم بقي يحترق في جسارة لينير دروب التائهين في صحراء الحياة القاحلة..
تقديرنا لكل قلب حقيقي يشرق علينا في كل يوم بأمل وحلم جديدين، وقد أخذ على عاتقه أن يكون القنديل المنير، وسياج الطريق الآمن، واليد الحانية والسند في أقصى لحظات الشتات !! هي الأقمار يا سادة التي تزدان بوجودها السماء والأرض..نعم، الشموس والأقمار والنجوم فقط من يصنعون الفرق في حياة الإنسان.. بل في حياة الأوطان!!
دمتم ودام وطننا بألف خير